من يباهي الله عز وجل بهم الخلائق يوم القيامةالشيخ : توفيق علي
1- الكاظمين الغيظ قال تعالى :
{ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين } (1)وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيّره في أي الحور شاء ) (2) .
من كظم غيظاً :أي اجترع غضباً كامناً فيه .
قال في النهاية كظم الغيظ : تجرعه واحتمال سببه والصبر عليه .
قال ابن كثير : "أي لا يُعمِلون غضبهم في الناس ، بل يكفون عنهم شرهم و يحتسبون ذلك عند الله عز وجل " (3) .
( وهو يستطيع أن ينفذه ) : بتشديد الفاء أي يمضيه .
( دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق ) :أي شهره بين الناس وأثنى عليه وتباهى به ويقال في حقه هذا الذي صدرت منه هذه الخصلة العظيمة .
( حتى يخيره ) :أي يجعله مخيراً .
( في أي الحور شاء ) : أي في أخذ أيهن شاء , وهو كناية عن إدخاله الجنة المنيعة , وإيصاله الدرجة الرفيعة .
قال الطيبي : وإنما حمد الكظم لأنه قهر للنفس الأمارة بالسوء , ولذلك مدحهم الله تعالى بقوله
: { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس } ومن نهى النفس عن هواه فإن الجنة مأواه والحور العين جزاه. قال القاري : وهذا الثناء الجميل والجزاء الجزيل إذا ترتب على مجرد كظم الغيظ فكيف إذا انضم العفو إليه أو زاد بالإحسان عليه (4) .
وقال الشاعر :
وإذا غضـبت فكن وقوراً كـاظماً *** للغيظ تبصر ما تقول وتسمع
فكفى به شرفاً تبصر ســاعة *** يرضى بها عنك الإله وترفـع
وقال عروة بن الزبير في العفو:
لن يبلغ المجد أقوام وإن شرفوا *** حتى يذلوا أو إن عزوا لأقـوام
ويشمتوا فترى الألوان مشرقـة *** لا عفو ذل ولكن عـفـو إكرامومن القصص :روي عن ميمون بن مهران أن جاريته جـاءت ذات يوم بصحـفة فيها مرقة حارة, وعنده أضياف فعثرت فصبت المرقة عليه, فأراد ميمون أن يضربها:
فقالت الجارية: يا مولاي, استعمل قوله تعالى:
{ والكاظمين الغيظ } قال لها: قد فعلت.
فقالت: أعمل بما بعده
{ والعافين عن الناس } . فقال: قد عفوت عنك.
فقالت الجارية:
{ والله يحب المحسنين } .
قال ميمون: قد أحسنت إليك, فأنت حرة لوجـه الله تعالى.
ومدح الله تعالى الذين يغفرون عند الغضب وأثنى عليهم فقال:
{ وإذا ما غضبوا هم يغفرون } (5).وأثنى على الكاظمين الغيظ بقوله:
{ والعافين عن الناس } , وأخبر أنه يحبهم بإحسانهم في ذلك.
وأيضاً من ثواب من كظم غيظاً :1- يملأ الله عز وجل جوفه إيماناً : كما في الحديث :عن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( ... و ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ما كظمها عبد الله إلا ملأ جوفه إيماناً ) . (6)2- يملأ الله عز وجل جوفه أمناً إيماناً : كما في الحديث
عن سويد بن وهب عن رجل من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من كظم غيظاً و هو قادر على أن ينفذه ملأ الله جوفه أمناً و إيماناً ... ) (7)3- أفضل أجراً :كما في الحديث
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما تجرع عبد جرعة أفضل أجراً من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله ) رواه ابن جرير ،و كذا رواه ابن ماجه عن بشر بن عمر عن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد .
2- المحجلون من آثار الوضوء :الذين استجابوا للرسول صلى الله عليه وسلم وأقاموا الصلاة وأتوا بالوضوء كما أمرهم نبيهم يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ) رواه البخاري
قال ابن حجر :" (غراً ) جمع أغر ، أي ذو غرة ، وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس ، ثم استعلمت في الجمال والشهرة وطيب الذكر ، والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وغرا منصوب على المفعولية ليدعون أو على الحال .
أي أنهم إذا دعوا على رؤوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف ، وكانوا على هذه الصفة.
وقوله : ( محجّلين ) من التحجيل ، وهو بياض يكون في ثلاث قوائم من قوائم الفرس ، واصله من الحجل بكسر الحال وهو الخلخال ، والمراد به هنا أيضا النور".
وهذه الغرة وذلك التحجيل تكون للمؤمن حلية في يوم القيامة ، عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء) رواه مسلم .
وعن أبي الدرداء : رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة ، وأنا أول من يؤذن له أن يرفع رأسه ، فأنظر إلى ما بين يدي ، فأعرف أمتي من بين الأمم ، ومن خلفي مثل ذلك ، وعن يميني مثل ذلك ، وعن شمالي مثل ذلك . فقال رجل: يا رسول الله ، كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك ؟ قال : هم غر محجلون من أثر الوضوء ، ليس أحد كذلك غيرهم وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم تسعى بين أيديهم ذريتهم ) رواه أحمد بإسناد صحيح
3-من ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه:من ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها (
.
4- من عمل بمقتضى الشهادتين :في سند الترمذي وسند الأمام أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً ؟ أظلمك كتبتي الحافظون فيقول لا يارب ، فيقول : أفلك عذر ؟ فيقول لا يارب ، فيقول بلى إن لك عندنا حسنة فأنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة ( رقعة ) فيها الشهادتين ، فيقول : احضر وزنك ، فيقول : يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ قال : انك لا تظلم ، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ، فلا يثقل مع اسم الله شئ ) .
5- من أطعم مسكينا ابتغاء وجه الله :... قال موسى : إلهي !.. فما جزاء من أطعم مسكينا ابتغاء وجهك ؟..قال :
يا موسى !.. آمر مناديا ينادي يوم القيامة على رؤوس الخلائق أن فلان بن فلان من عتقاء الله من النار .
6- الصائمون يُعرفون على رؤوس الأشهاد :
حديث سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد ) .
فتأمل هذه الخصوصية وهذا الإعلان الذي يظهر فبه الصائمون ويُعرفون على رؤوس الأشهاد، إنه جزاء من جنس العمل، ألم يكن خالصاً لله ؛ فإن "الصيام لما كان سراً بين العبد وربه في الدنيا أظهره الله في الآخرة علانية للخلق ليشتهر بذلك أهل الصيام ويُعرفوا بصيامهم بين الناس جزاءً لإخفائهم الصيام في الدنيا .
--------------------
(1) آل عمران ، آية (143)
(2) سنن الترمذي ، برقم1944
(3) تفسير القرآن العظيم ، (ج1/415).
(4) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي
(5) سورة الشورى،آية (37)
(6) انفرد به أحمد ،و إسناده حسن
(7) رواه أبو داود . انظر : تفسير ابن كثير (ج1/414)
(
رواه الترمذي رقم 2481 ، وهو في السلسلة الصحيحة 718
[center]
منقول